فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ}.
أي: من نصرهم المبين في قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} [غافر: من الآية 51]، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: من الآية 21]، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: من الآية 55] الآية.
واستظهر أبو السعود: أن المعنى بالوعد هنا عذابهم الأخروي المتقدم في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ} الخ [إبراهيم: من الآية 42]، ولا يخفى أن الوعد قد بين في مثل الآية الأخيرة والأوليين في معناها. والبيان يرفع اللبس. وإنما أوثر تقديم المفعول الثاني، أعني {وعده} على الأول وهو {رسله} للإيذان بالعناية به. فإن الآية في سياق الإنذار والتهديد للظالمين بما توعدهم الله به على ألسنة الرسل. فالمهم في التهديد ذكر الوعيد. كذا في الانتصاف.
وفي الكشف تقديمه للاعتناء به وكونه المقصود بالإفادة. وما ذكره ممن وقع الوعد على لسانه، إنما ذكر بطريق التبع للإيضاح، والتفصيل بعد الإجمال. وهو من أسلوب الترقي كما في قوله: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: من الآية 25]. و: {إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ} أي: غالب لا يُماكَرُ: {ذُو انْتِقَامٍ} من أعدائه، نصرًا لأوليائه.
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} وذلك أنه تسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوَّى، فلا يرى فيها عوج ولا أمت. وتبدل السماوات بانتثار كواكبها، وكسوف شمسها، وخسوف قمرها، وانشقاقها، وكونها أبوابًا و{يوم} بدل من {يوم يأتيهم} أو ظرف للانتقام أو مقدر بـ اذكر أو لا يخلف وعده.
{وَبَرَزُواْ} أي: الخلائق أو الظالمون من أجداثهم: {للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أي: لحسابه وجزائه.
قال أبو السعود: والتعرض للوصفين لتهويل الخطب وتربية المهابة وإظهار بطلان الشرك وتحقيق الانتقام في ذلك اليوم على تقدير كونه ظرفًا له. وتحقيق إتيان العذاب الموعود على تقدير كونه بدلًا من {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} فإن الأمر إذا كان لواحد غلاَّب؛ كان في غاية الشدة والصعوبة.
{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} جمع مقرَّن وهو من جمع في قَرَن بفتحتين الوثاق الذي يربط به. أي: قرن بعضهم مع بعض حسب اقترانهم في الجرائم والفساد. فيجمع بين النظراء والأشكال منهم، كل صنف إلى صنف. كما قال تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]. وقال: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7]، أو: قرنوا مع الشياطين، لقوله تعالى: {لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم: 68]، أو قرنت أيدهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال. وقوله تعالى: {فِي الأصْفَادِ} أي: القيود أو الأغلال، جمع صَفَد بفتحتين بمعنى القيد أو الغل. والقيد هو الذي يوضع في الرجل. والغُل بالضم ما في اليد والعنق وما يضم به اليد والرجل إلى العنق. والجار متعلق بـ: {مُقَرَّنينَ} أو حال من ضميره أي: مصفدين، وقوله تعالى: {سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ} تشبيه لهم بأكره ما يوجد منظرًا عند العرب، وهو الإبل الجربى التي تطلى بالقطران. وإعلام بأن لهم أعظم ما ينال الجلد داء وهو تقرحه بالجرب. وأخبث ما يكون دواء لقبحه لونًا وريحًا، وهو القطران، فإنه أسود منتن الريح.
قال الزمخشري: تطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل، وهي القمص لتجتمع عليهم الأربع: لذع القطران، وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين. وكل ما وعده الله وأوعد به في الآخرة فبينه وبين ما نشاهده من جنسه ما لا يقادَرُ قدره، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة. فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه. ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه. انتهى.
ويؤيد ما بيناه من أن في الآية إشارة إلى ابتلائهم بجرب جهنم: ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب».
وقد وقفت على رسالة لشمس البلغاء الخوارزمي أنفذها لمن شكا إليه داء الجرب، جاء منها قوله: الجرب حكة مادتها يبوسة وحرارة، ووقود والتهاب، وعسكر من عساكر البلاء تمده القذارة، كما تزيد فيه اليبوسة والحرارة، وعلة تدل على تضييع واجب النفس من التعهد، وعلى التفريط في العلاج والتفقد، تنطق بأن صاحبها ضعيف المُنَّة في التوقي، أسير في يد الحرص والتشهي، غاش لنفسه، قليل البقيا على روحه. وهذه العلة تكسب صاحبها خزيًا وحياءً، وتورثه خجلًا واسترخاءً، ينظر إلى الناس بعين المريب، ويتستر عنهم كتستر المعيب. تنفر عنه الطباع، وتستقذره النفوس، وتنبو عن مواكلته العيون. وأقل ما يصيبه أنه يحرم آلة المطاعم وهي يداه، وآلة اللقاء والزيارة وهي رجلاه. ولو لم يكن من دقائق آفاتها ومن عجيب هباتها. إلا أنها تشيخ الفتيان، وتمسخ الإنسان، وتجعله أمِّيًا بعد أن كان غير أمِّي، وأعجميًا وليس بأعجمِّي. تنفر عن نفسه نفسُه، وتهرب من فراشه عرسُه، ويتباعد عنه أقرب الناس منه. ثم هي رُبع من أرباع الخذلان وقسم من أقسام الحرمان. قال الشاعر:
أعاذك الله من أشياء أربعة ** الموت والعشق والإفلاس والجرب

وما الظن بداء قد سارت به الأمثال وقيلت فيه دون سائر الأدواء الأقوال.
قال أبو تمام:
لما رأت أُختها بالأمس قد خربت ** كان الخراب لها أعدى من الجرب

وقال لَبِيد:
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

فجعله رأس الأدواء، ووصفه بأنه غاية البلاء. انتهى. وقوله تعالى: {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} أي: تعلوها وتحيط بها النار التي تمس جسدهم المسربل بالقطران. وتخصيص الوجوه؛ لكونها أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه، كالقلب في باطنه، ولذلك قال: {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 7]، ولكونها مجمع الحواس التي خلقت لإدراك الحق. وقد أعرضوا عنه، ولم يستعملوها في تدبره. كما أن الفؤاد أشرف الأعضاء الباطنة ومحل المعرفة، قد ملؤوها بالجهالات. أفاده الزمخشري وأبو السعود.
{لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} الجار متعلق بمحذوف. أي: يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزي، الخ. والنفس مخصوصة بالنفس المجرمة بقرينة المقام. أو عام للبرة والفاجرة. وعليه فيجوز تعلقه بقوله: {وَبَرزُوْا} وما بينهما اعتراض أو بـ {ترى}: {إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أي: محاسبة الخلائق يوم القيامة؛ لأنه لا يشغله شأن عن شأن. وجميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم، كقوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة} [لقمان: 28]، أو المعنى: سريع حسابه، أي: مجيئه كقوله: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1] وقوله تعالى: {هَذَا} إشارة إلى القرآن أو السورة وقوله: {بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} أي: كفاية لهم لما فيه من العظة والتذكير. وقوله: {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} أي: ليخوَّفوا وليوعظوا به عن الجرائم التي أخذ بها الأولون: {وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: يستدلوا بما فيه من الحجج والدلائل على أنه لا إله إلا هو. وإنما قدم إنذارهم؛ لأنهم إذا خافوا ما أُنذروا به؛ دعتهم المخافة إلى النظر حتى يتوصلوا إلى التوحيد؛ لأن الخشية أمُّ الخير كله. أفاده الزمخشري: {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} أي: ليتعظ به ذوو العقول، فيقبلوا على ما فيه نجاتهم وسعادتهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)}.
تفريع على جميع ما تقدم من قوله: {ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون} [إبراهيم: 42].
وهذا محل التسلية.
والخطاب للنبيء.
وتقدم نظيره آنفًا عند قوله: {ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون}، لأن تأخير ما وعد الله رسوله عليه الصلاة والسلام من إنزال العقاب بأعدائه يشبه حال المخلف وعده، فلذلك نهي عن حُسبانه.
وأضيف {مخلف} إلى مفعوله الثاني وهو {وعده} وإن كان المفعول الأول هو الأصل في التقديم والإضافة إليه لأن الاهتمام بنفي إخلاف الوعد أشد، فلذلك قدم {وعده} على {رسله}.
و{رسله} جمع مراد به النبي صلى الله عليه وسلم لا محالة، فهو جمع مستعمل في الواحد مجازًا.
وهذا تثبيت للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله منجز له ما وعده من نصره على الكافرين به.
فأما وعده للرسل السابقين فذلك أمر قد تحقق فلا يناسب أن يكون مرادًا من ظاهر جمع {رسله}.
وجملة {إن الله عزيز ذو انتقام} تعليل للنهي عن حُسبانه مُخلف وعده.
والعزة: القدرة.
والمعنى: أن موجب إخلاف الوعد منتف عن الله تعالى لأن إخلاف الوعد يكون إما عن عَجز وإما عن عدم اعتياد الموعود به، فالعزة تنفي الأول وكونُه صاحب انتقام ينفي الثاني.
وهذه الجملة تذييل أيضًا وبها تمّ الكلام.
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)}.
استئناف لزيادة الإنذار بيوم الحساب، لأن في هذا تبيين بعض ما في ذلك اليوم من الأهوال؛ فلك أن تجعل {يوم تبدل الأرض} متعلقًا بقوله: {سريع الحساب} قُدّم عليه للاهتمام بوصف ما يحصل فيه، فجاء على هذا النظم ليحصل من التشويق إلى وصف هذا اليوم لما فيه من التهويل.
ولك أن تجعله متعلقًا بفعل محذوف تقديره: اذكُرْ يوم تبدل الأرض، وتجعل جملة {إن الله سريع الحساب} على هذا تذييلًا.
ولك أن تجعله متعلقًا بفعل محذوف دل عليه قوله: {ليجزي الله كل نفس ما كسبت}.
والتقدير يجزي اللّهُ كلّ نفس بما كسبت يومَ تبدل الأرض... إلخ.
وجملة {إن الله سريع الحساب} تذييل أيضًا.
والتبديل: التغيير في شيء إما بتغيير صفاته، كقوله تعالى: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} [سورة الفرقان: 70]، وقولك: بدلتُ الحَلقة خاتمًا وإما بتغيير ذاته وإزالتها بذات أخرى، كقوله تعالى: {بدلناهم جلودًا غيرها} [سورة النساء: 56]، وقوله: {وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط} [سورة سبأ: 16].
وتبديل الأرض والسماوات يوم القيامة: إما بتغيير الأوصاف التي كانت لها وإبطال النُظم المعروفة فيها في الحياة الدنيا، وإما بإزالتها ووجدان أرض وسماوات أخرى في العالم الأخروي.
وحاصل المعنى استبدال العالم المعهود بعالم جديد.
ومعنى {وبرزوا لله الواحد القهار} مثل ما ذكر في قوله: {وبرزوا لله جميعًا} [سورة إبراهيم: 21].
والوصف بـ {الواحد القهار} للرد على المشركين الذين أثبتوا له شركاء وزعموا أنهم يدافعون عن أتباعهم.
وضمير {برزوا} عائد إلى معلوم من السياق، أي وبرز الناس أو برز المشركون.
والتقرين: وضع اثنين في قرن، أي حبل.
والأصفاد جمع صِفاد بوزن كتاب، وهو القيد والغل.
والسرابيل: جمع سِربال وهو القميص.
وجملة {سرابيلهم من قطران} حال من {المجرمين}.
والقطران: دهن من تركيب كيمياوي قديم عند البشر يصنعونه من إغلاء شَجر الأرز وشجر السرو وشجر الأبهل بضم الهمزة والهاء وبينهما موحدة ساكنة وهو شجر من فصيلة العرعر.
ومن شجر العرعر بأن تقطع الأخشاب وتجعل في قبة مبنية على بلاط سَوِي وفي القبة قناة إلى خارج.
وتُوقد النار حول تلك الأخشاب فتصعد الأبخرة منها ويسري ماء البخار في القناة فتصب في إناء آخر موضوع تحت القناة فيتجمع منهماء أسود يعلوه زبد خاثر أسود.
فالماء يعرف بالسائل والزَبَد يعرف بالبرقي.
ويتخذ للتداوي من الجرب للإبل ولغير ذلك مما هو موصوف في كتب الطب وعلم الأَقْرَبَاذين.
وجعلت سرابيلهم من قطران لأنه شديد الحرارة فيؤلم الجِلدَ الواقعَ هو عليه، فهو لباسهم قبل دخول النار ابتداء بالعذاب حتى يقعوا في النار.
وجملة {إن الله سريع الحساب} مستأنفة، إما لتحقيق أن ذلك واقع كقوله: {إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع} [سورة الذاريات: 5، 6]، وإما استئناف ابتدائي.
وأخرت إلى آخر الكلام لتقديم {يوم تبدل الأرض} إذا قُدر معمولًا لها كما ذكرناه آنفًا.
{هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}.
الإشارة إلى الكلام السابق في السورة كلها من أيْنَ ابتدأتهُ أصبت مراد الإشارة، والأحسن أن يكون للسورة كلها.
والبلاغ اسم مصدر التبليغ، أي هذا المقدار من القرآن في هذه السورة تبليغ للناس كلهم.
واللام في {للناس} هي المعروفة بلام التبليغ، وهي التي تدخل على اسم من يَسمع قولًا أو ما في معناه.
وعطف {ولينذروا} على {بلاغ} عطف على كلام مقدر يدل عليه لفظ {بلاغ}، إذ ليس في الجملة التي قبله ما يصلح لأن يعطف هذا عليه فإن وجود لام الجر مع وجود واو العطف مانع من جعله عطفًا على الخبر، لأن المجرور إذا وقع خبر عن المبتدإ اتصل به مباشرة دون عطف إذ هو بتقدير كائِن أو مستَقر، وإنما تعطف الأخبار إذا كانت أوصافًا.
والتقدير هذا بلاغ للناس ليستيقظوا من غفلتهم ولينذروا به.
واللام في {ولينذروا} لام كي.
وقد تقدم قريب من نظم هذه الآية في قوله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها} في سورة الأنعام [92].
والمعنى وليعلموا مِما ذكر فيه من الأدلة مَا الله إلا إلهٌ واحد، أي مقصور على الإلهية الموحدة.
وهذا قصر موصوف على صفة وهو إضافي، أي أنه تعالى لا يتجاوز تلك الصفة إلى صفة التعدد بالكثرة أو التثليث، كقوله: {إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد} [سورة النساء: 171].
والتذكر: النظر في أدلة صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ووجوب اتباعه، ولذلك خص بذوي الألباب تنزيلًا لغيرهم منزلة من لا عقول لهم {إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} [سورة الفرقان: 44].
وقد رتبت صفات الآيات المشار إليها باسم الإشارة على ترتيب عقلي بحسب حصول بعضها عقب بعض، فابتدىء بالصفة العامة وهي حصول التبليغ.
ثم ما يعقب حصول التبليغ من الإنذار ثم ما ينشأ عنه من العلم بالوحدانية لما في خلال هذه السورة من الدلائل.
ثم بالتذكير في ما جاء به ذلك البلاغ وهو تفاصيل العلم والعمل.
وهذه المراتب هي جامع حكمة مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم موزعة على من بَلّغ إليهم.
ويختص المسلمون بمضمون قوله: {وليذكروا أولوا الألباب}. اهـ.